من كان يعبد البغدادي فإنه مات لكن أردوغان عايش

من كان يعبد البغدادي فإنه مات لكن أردوغان عايش

محمد أرسلان
أحداث متسارعة تشهدها المنطقة بمختلف دولها نتيجة خلل أصاب التوازنات والاصطفافات التي تم بناؤها خلال القرن المنصرم، والمبنية أساسًا وفق مصالح القوى الدولية المسيطرة في تلك الفترة.

والآن ونحن نخطو خطواتنا في القرن الحادي والعشرين وما زال البعض منا يسعى بكل ما يملك من إمكانيات مادية وروحية على إرجاع عقارب الزمن للوراء، ولسان حاله يقول “عصفور باليد أفضل من عشرة على الشجرة”.

مقولات مأثورة كثيرة نرددها وتعلمناها منذ الصغر على يد الآباء والأجداد، الذين فقدوا الثقة أو أنهم لم يثقوا البتة بنظام الدولة القوموية التي أُشيع أنها التي ستلبي متطلبات الإنسان من كرامة وحرية واستقلال وبحبوحة مالية.

راح الكثير من يطبل لتلك الشعارات، وبقي من لم يثق بهذه البدعة المستحدثة على يد أعداء المنطقة من الغرب الفرنسي والإنجليزي.

لم يأمنوا للغرب ولذلك لم ينخدعوا بشعاراتهم المستقبلية، وقالوا لنحافظ على ما في يدنا أفضل من الاعتماد على المجهول.

لا هذا المحافظ حافظ على ما في يده وأصبح أكثر فقرًا ولا ذاك المطبل لشعارات القوموية نال ما أراد، والذي تحول إلى عبد مقونن أكثر من العبد بحد ذاته.

بهذه العقلية النمطية تم تغييبنا عن حقيقة واقعنا الذي اغتربنا عنه ورحنا نبحث عن حقيقة افتراضية نتعلق بقشتها علَّها تنجينا من مجهول نسجناه بمخرز جهلنا للماضي وما يحتويه من تاريخ، وكذلك من مستقبل لا نعي كيف نتعامل معه بمنطق العقل التحليلي والعاطفي.

مواجهة التحديات يلزمها إرادة التخلص من شوائب الماضي العقلية وبناء المستقبل من جديد وفق منهج علمي يعتمد الحرية المجتمعية أساسًا له، ليغدو فيه الإنسان كائنا مبتكرا تكون الأخلاق أساس خطواته لهدم الانحطاط المادي الفظ الذي بات يشكل خطرًا كبيرًا يهدد فيه حتى وجودنا وحيواتنا.

لا يمكن التصدي لأي عدوان همجي ببيانات شجب تصدر هنا أو هناك، ولا بلطم الحظ الأسود الذي بات يلاحقنا أينما اتجهنا، لأن هذا العدوان قد تسلح بأعتى الأسلحة الفتاكة التي هدفها القضاء على الإنسان والمجتمعات وما تحتويه من ذكريات الماضي وحنين التاريخ وكذلك الإبادات البشرية، ولا يمكن التعويل على الغرب الذي هو بالأساس من كان السبب فيما نعانيه في راهننا من تشتت وتشظي وجهل، والذي ساعدناه على تعبيد طريق الفشل بمعولنا. وكل نبتة لا تنمو إلا على جذورها.

تركيا الأردوغانية التي تعيش آخر مراحل وجودها كما كانت خلافتها قبل قرن من الآن، تعمل بكل وحشية على إطالة عمرها ولو لسنين أُخرى، وما محاولاتها وعدوانها على الشمال السوري وبعده على الشمال العراقي، إلا دليل واضح أنها تخشى الأفول والتقسيم الثاني الذي سيطالها في زمن ليس ببعيد.

الهروب من المشاكل الداخلية المتورمة كداء السرطان والمنتشر في جميع جسد تركيا، لن ينقذها من يجعل من نفسه مهندس التغيير الديموغرافي والإبادات والقتل مهما حاول أن يفعل، ولن تنقذه بعض مانشيتات البطولة التي يتحفنا بها أردوغان خلال الأيام القليلة الماضية من علاقته وربما تبنيه للمجموعات الإرهابية بمختلف مشاربها وأسمائها.

اعتقال زوجة وأخت البغدادي لن يكون طوق النجاة للسيد أردوغان، بقدر ما سيكون الدليل الدامغ على إدانته ورعايته للإرهابيين على طول السنين الماضية، وربما يريد أردوغان ايصال رسالة مفادها “من كان يعبد البغدادي فإنه مات، ولكن أردوغان عايش”، فلا تحزنوا.

قتل البغدادي على الحدود التركية وبجانب نقاطه العسكرية والاستخباراتية المنتشرة داخل الأراضي السورية، وكذلك تم اعتقال زوجة وأخت البغدادي في جرابلس واعزاز والتي هي أقرب من حبل الوريد بالنسبة لتركيا، وكلنا ندرك أن جرابلس واعزاز وعفرين وإدلب وغيرها من المدن المحتلة قد حولها أردوغان لمدن أمنية استخباراتية لا يمكن للغريب أن يدخلها، فما بالك أن يعيش فيها كل هذه الفترة.

قوات سوريا الديمقراطية التي تتصدى للعدوان التركي الأردوغاني وجيشه الانكشاري الإرهابي، باتت القوة الوحيدة التي يهابها أردوغان ويحاول استخدام كل صنوف الأسلحة وحتى المحرمة دوليًا للنيل منها، إلا أن إرادة الشعوب في الشمال السوري من عرب وكرد وآشور وسريان أكبر بكثير من أوهام أردوغان والمرتزقة الذين معه.

الآن الجيش الوحيد الذي يتصدى لأوهام أردوغان هم قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري الذي انضم لهذه المقاومة في الفترة الأخيرة وفق تفاهمات بين الطرفين، ويبقى الروسي والأمريكي من يساعد التركي على قضم الجغرافيا السورية.

السؤال الهام الآن هو أين الدول العربية مما يحدث في الشمال السوري من الناحية العملية، أم أن الكل ينتظر مصرع آخر الرجال المقاومين، والذي لن يحدث أبدًا.