اتجاهات الشباب المصري نحو المؤتمرات الوطنية للشباب

اتجاهات الشباب المصري نحو المؤتمرات الوطنية للشباب

بقلم : د. شريف درويش اللبان
أجرت د. مي مصطفى عبد الرازق مدرس الصحافة بأكاديمية “أخبار اليوم” لدراسة اتجاهات الشباب المصري، نحو المعالجة الصحفية للمؤتمرات الوطنية للشباب، وذلك من خلال دراسة ميدانية على عينة من الشباب المصري من سن 18-35 سنة قوامها 448 مبحوثًا يمثلون مستويات التعليم ومستويات الدخل المختلفة، وفي هذا المقال نستكمل استعراض نتائج هذه الدراسة.

أشارت النسبة الأكبر من المبحوثين إلى اهتمام الإعلام عامةً بشخص الرئيس وتقديمه كشخصية بارزة، حيث الاهتمام بالجلسات التي يشارك فيها، وما يطرحه من رؤى، وما يذكره من تعقيبات، وتوافقت تلك النتيجة مع ما توصلت إليه الدراسة حيث بروز إطار الإشادة بالرئيس وبدوره، والتركيز على سماته الإيجابية سواءً الشخصية أو العملية، بالإضافة إلى بروز ما يدلى به من تصريحات عند تناول الأطر الأخرى كالتواصل، المؤامرة، التحديات، المسؤولية وغيرها، ويمكن تفسير ذلك في ضوء اهتمام الإعلام في دول العالم الثالث بتدعيم السلطة ومن يترأسها بصورة كبيرة، بالإضافة إلى الإعجاب بمشاركة الرئيس في تلك الفعاليات بل ومتابعته لها رغم كثرة أعبائه، كما أن وقوع مثل تلك المؤتمرات يعد نجاحًا يُحسب له ولحكومته خاصة وزارة الشباب والرياضة.

وأشارت الدراسة إلى أن نسبة (56.4%) إلى نجاح المؤتمرات في نقل واقع الشباب بقضاياه ومشاكله الحياتية بدرجة متوسطة وبنسبة (31%)، وبدرجة كبيرة بنسبة(25.4%)، وتمثلت أهم عوامل النجاح أنه حدث جديد موجه للشباب، شرح بعض الأمور للشعب المصري وإزالة الغموض عنها، مشاركة الشباب بصورة رئيسية فيه، سواءً في التنظيم أو الإدارة أو المناقشة، بينما مَن أشاروا إلى نجاح هذه المؤتمرات في تحقيق أهدافها تجاه الشباب ولكن بدرجة ضعيفة، فجاءت أهم أسباب ذلك في محاولات سيطرة الكبار على الحوار، تناول بعض القضايا التي لها علاقة بالمجتمع ككل وليست المقتصرة على الشباب فقط، المطالبة بالتركيز على القضايا الاجتماعية والاقتصادية ذات الصلة المباشرة بالشباب، وذلك وفقًا لردود المبحوثين.

وأوضحت نتائج الدراسة حرص المبحوثين على تعرضهم لأكثر من وسيلة، سواءً من خلال التعرض للصحافة فقط كوسيلة إعلامية، ولكن مع القيام بقراءة صحف مختلفة وذلك بنسبة (22.5%) أو من خلال الجمع بين متابعة الصحف ووسائل إعلامية أخرى بنسبة(63.4%)، وتؤكد هذه النتيجة إدراك المبحوثين لحالة التكامل بين الوسائل الإعلامية، بالإضافة للتنافس بينها لتقديم خدمات إخبارية متميزة، كما تدل هذه النتيجة على الاهتمام الكبير لدى المبحوثين بمتابعة وقائع تلك المؤتمرات في أكثر من مصدر إعلامي.

وتصدرت التأثيرات المعرفية قائمة التأثيرات بالنسبة للمبحوثين، حيث أسهمت هذه المؤتمرات في تكوين وجهات نظرهم وآرائهم تجاه القضايا المثارة بها، واشترك المبحوثين مع أصدقائهم المقربين في ذلك التأثير حيث جاء في المرتبة الأولى لديهم، حيث أدت تلك المؤتمرات إلى تقديم التفسيرات والتحليلات المختلفة، التي تساهم في زيادة الفهم والوعي لأبعاد القضايا المثارة، كما أدت إلى تنمية المعارف والمعلومات في القضايا محل النقاش. حيث تعد التأثيرات المعرفية لوسائل الإعلام من أهم تأثيرات الإعلام في مجال تكوين الاتجاهات والآراء، ثم تأتي التأثيرات السلوكية في المرتبة الأخيرة، ويسلط ذلك الضوء على اقتصار تأثير وسائل الإعلام على المعارف والاتجاهات، في حين يضعف تأثيرها على مستوى السلوكيات السياسية بالنسبة للمواطن المصري، إلا أن الدراسة الحالية قد أثبتت العكس فيما يتعلق بالتأثيرات السلوكية، حيث جاءت في المرتبة الثانية بمتوسط حسابي (2.08)، ثم التأثيرات العاطفية بمتوسط حسابي (1.98)، أما التأثيرات المعرفية فجاءت في المرتبة الأولى بمتوسط حسابي (2.177).

وأفاد (37.5%) بأن متابعتهم لتلك المؤتمرات من خلال الإعلام قد ولدَّت لديهم تأثيرات إيجابية وسلبية على حد سواء، ثم أفاد (23.7%) أن للإعلام تأثيرات سلبية في المجمل، وتمثلت أهم التأثيرات الإيجابية في اهتمام الإعلام عامة والصحافة بشكل خاص بإبراز الوجوه الشابة سواء التي حققت إنجازات فتم تكريمها، أو التي شاركت بفعالية في مناقشاته، التغطية الشاملة لفعاليات المؤتمرات، إبراز حالة التواصل بين الشباب من جهة، والرئيس والحكومة والمسؤولين من جهة أخرى، وذلك وفقًا لردود المبحوثين.

أما التأثيرات السلبية فتمثلت في التغطية المتحيزة للإعلام لتلك المؤتمرات، وعدم متابعة الإعلام للتوصيات والقرارات الناتجة عن تلك المؤتمرات، تكرار نفس الأفكار بين أغلب كُتَّاب المقالات ثم النمطية في المعالجة بشكل عام مع تكرار تلك المؤتمرات، التغطية الموسمية لهذه الأحداث وقت وقوعها مع ضعف تسليط الأضواء على الأحداث الأخرى ذات الصلة بالشباب، وهنا ينبغي على الإعلام مراجعة أوراقه حتى يتمكن من سد احتياجات جماهيره المختلفة، خاصة الشباب منهم.

وجاءت القضايا الاقتصادية في مقدمة الاهتمامات لدى المبحوثين (وذلك على كل المستويات) أنفسهم، الأصدقاء الأقرب، والآخرين، وتمثلت تلك القضايا وفقًا لإجاباتهم في تدني الأجور، البطالة، زيادة نسبة الفقر، أزمة الغلاء ومحدودية الموارد، التحديات التي تواجه الاستثمار، وأزمه سعر الصرف.. وغيرها، وأكد المبحوثون أهمية تلك القضايا لديهم وبأن لها تأثيراتها النفسية السلبية لديهم كالإحباط والإحساس بالظلم واليأس والسخط والهياج الاجتماعي والهامشية، وأن الشهادات التي حصلوا عليها قد ذهبت أدراج الرياح، حيث تتركز بطالة الشباب في معظمها بين المتعلمين نتيجة لعجز الاقتصاد على خلق فرص عمل جديدة كافية لكي توائم الزيادة السنوية في قوة العمل والتي تشكل في معظمها الشباب الذين يدخلون إلى سوق العمل لأول مرة، وهذا يعزى إلى نقص الاتساق بين مخرجات النظام التعليمي والحاجات، ومتطلبات سوق العمل في ضوء التخصصات المتنوعة والمهارات المطلوبة.

يحتل موضوع تشغيل الشباب أولوية في أجندة السياسات في مصر، وينعكس هذا في تعدد وتنوع الجهات المعنية في هذا المجال، كما يتم تقديم برامج سوق العمل النشطة في مصر من قبل مجموعة كبيرة ومتنوعة من الجهات الرسمية وغير الرسمية، إلا أن تلك السياسات مقيدة بعناصر نظام الرعاية الاجتماعية، بالدولة، ويتصف الكثير منها بالقدم وعدم الاستدامة وغياب المتابعة والتقييم.

فعلى الرغم من النتائج الاقتصادية الإيجابية العامة خلال العقدين الماضيين، إلا أن مصر لا تزال تعاني من نقص في فرص العمل للفئات الأصغر سنًا، تأثرًا بعدة عوامل مثل: وجود تغيير في تشكيل التركيبة السكانية المصرية بزيادة أعداد الشباب، زيادة التحصيل العلمي للفئات الأصغر سنًا، تقلص الفرص بالقطاع العام في مقابل زيادة فرص العمل غير الرسمي ذي اللوائح الصارمة، ارتباط الالتحاق بالوظائف بالشبكات الأسرية والعلاقات الاجتماعية، نقص المهارات اللازمة لمزاولة كثير من الأعمال نتيجة عدم الربط بين التعليم واحتياجات سوق العمل، مشاركة النساء في سوق العمل.

ثم جاءت القضايا الاجتماعية، وتمثلت أهم القضايا الاجتماعية وفقًا لردود الشباب في الانفجار السكاني، قضايا الأسرة والزواج، أطفال الشوارع، الهجرة، التحرش الجنسي، الإدمان، فقدان الانتماء والولاء للوطن، العنف.. وغيرها، وهي القضايا التي تشير إليها التقارير والدراسات وحقوق الإنسان بالإضافة إلى قضايا المرأة باعتبارها أهم القضايا الاجتماعية.

ويعتقد (73.5%) من المبحوثين أن تناول المشاكل التي يعاني منها المجتمع المصري بتلك المؤتمرات قد يحدث نوعًا من الضغط على المسؤولين في متابعتها أو الإسراع في حلها “خاصة عند مناقشتها أثناء وجود الرئيس” وجاءت هذه النسبة مقسمة إلى (52.5%) إلى حد ما، و(21%) إلى حد كبير، وهي نتيجة تعكس نجاح تلك المؤتمرات في تناول المشاكل قولًا وفعلًا لا قولًا فقط، وتناسبت هذه النتيجة مع ما توصلت إليه الدراسة من ارتفاع نسبة إطار المسؤولية سواء عن المشكلة أو الحل لها.

ونستكمل استعراض نتائج الدراسة في المقال القادم.